للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرّت بنا الطيارة إلى البصرة فلم تنزل بها، ورأيت الناس فيها صغاراً كالنمل تمشي في الشوارع، وكانوا إذا رفعوا رؤوسهم رأوا طيارتنا صغيرة كأنها عصفور فوق سطوح المنازل! وهذا هو مَثَل المتكبر على عباد الله. والكبرياءُ لله وحده، والكبرياء كانت سبب هلاك إبليس واستحقاقه لعنة الله. المتكبر يرى الناس صغاراً وهم يرونه صغيراً، فليخجل الذين يستكبرون من البشر، وأوّل أحدهم -كما قال الأوّلون- نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بينهما يحمل في بطنه العذرة!

يغرّه أنه استطاع أن يطاول الجبال طولاً ويخرق بطونها قوّة واقتداراً، فإذا جاء الأجل واراه التراب لا يملك دفعاً ولا حراكاً. أنا أعدّ هذه الكلمات وأمامي الجريدة فيها صورة تشيرنينكو، الرئيس السوفياتي الذي ظنّ بإلحاده أنه يستطيع أن يحارب الله وأن يمحو من الأرض دين الله وأن يُكرِه الناس على الكفر، فاسألوه الآن لو استطعتم سؤاله: ماذا وجد؟ اسألوه ماذا أعَدّ للقاء الله الذي لا مهرب منه ولا معدى عنه؟ اسألوه ماذا هيّأ لنفسه ليجتاز الصراط فلا يسقط تحته؟

ما أغنى عنه ماله، وقد هلك عنه سلطانه، وانفضّ عنه جنده وأعوانه، ونزل التراب وحده، وسيقوم بين يدَي ربّه للحساب وحده. فيا أيها الطغاة اعتبروا؛ فلقد كان هذا الرجل أقوى منكم قوة، وكان أضخم جيشاً، وكان أكثر مالاً، وكان أعزّ سلطاناً، فذهب ذلك كله ولم يبقَ في يده منه شيء. اجعلوه عِبرة لكم، فالعاقل من يعتبر بغيره والأحمق من يكون هو العِبرةَ لغيره.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>