ولست أقول هذا لنترك المتر ونعود إلى الذراع وندع اللتر ونرجع إلى المُدّ. لا، ولكن لأبيّن كيف تكون سيّئات الضعفاء حسنات الأقوياء.
وأوّل ما يراه الغريب من البلدة التي ينزلها ثلاثة: الفنادق والسيارات ومظاهر العمران. لذلك تحرص كلّ أمة على تحسين فنادقها ووسائل مواصلاتها، وتُعنى بسياراتها العامّة، وأخلاق سائقيها وعُمّالها وانتظام سيرها.
أمّا فنادق كراتشي فقد رأيت منها الفندق الذي حجزوا لنا الغرف فيه أوّل ما وصلنا، وكان ميزان الليل قد مال والصبح قد اقترب، فلم يعجبني وسألت: أليس في البلد غيره؟ فأخذونا إلى فندق سنترال، وهو أحد الفنادق الثلاثة الكبرى في كراتشي. وسرّني منه أنه عمارتان منفصلتان، إحداهما للطعام والشراب والموسيقى والسماع، والأخرى للمنام. نزلنا في غرف كلّ غرفة منها جناح كامل أو منزل صغير.
وكان التعب يجرّني إلى الفراش جراً، ويدفعني إلى النوم دفعاً، ولكنني خفت أن تفوتني صلاة الفجر فأبدأ رحلتي في باكستان بهدم ركن من أركان الإسلام، فانتظرت حتى أذّن الفجر وصلّيت مع القوم وأويت إلى سريري، وحب الاستطلاع وترقب النهار الذي أرى فيه أول بلدة في القارة الهندية يطردان النوم من عيني.