وقد لبث المستقبلون معنا حتى صلّينا الفجر، فما مضت ثلاث ساعات حتى أيقظني من منامي قرع باب الغرفة، فقمت مضطرباً فإذا هو النادل (الجارسون) يحمل صينية الشاي. فصِحت به أسأله من الذي أمره أن يأتيني بالشاي في مثل هذه الساعة. فحار وعجب وكلّمني بلغة لا أعرف ما هي، فما فهمت عنه ولا فهم عني.
وتبيّنت بعد ذلك أن هذه عادة الإنكليز، يشربون الشاي في السابعة تماماً لا يسبق دقيقة ولا يتأخّر دقيقة. وقد وجدت عادات الإنكليز معي في كلّ فندق نزلناه إلى آخر الرحلة، ولم أفهم معنى قولهم:«إن المؤمن يأكل في مِعَىً واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء»(١) إلاّ حين عاشرت الإنكليز ورأيت أكلهم.
يُفيقون الساعة السابعة فيأخذون الشاي بالحليب قبل القيام من الفراش، فإذا مرّت ساعة جاء الفطور فأكلوا أكل من لا يخشى الفَزْر: بيضتين وقطعة لحم وزبداً ومُربّى وشيئاً اسمه «البودينغ» لا أدري ما هو، وشربوا معه الشاي باللبن. فإذا جاء الظهر أكلوا أكلاً لَمّاً: لحماً بارداً ولحماً حاراً ورزاً وخضراً وحلوى وفاكهة. فإذا كانت الساعة الرابعة أكلوا الفَرَانيّ (أي الكاتوه) وشربوا عليه الشاي باللبن الحليب، فإن كان المساء أكلوا أكبر من أكلة الظهر. ولا يأخذون الخبز مع ذلك كله إلاّ مُغطّى بالزبد. والعجيب حقاً أنه ليس لهم -مع ذلك الأكل كله- أكراش ظاهرة ولا بطون كبطون الحبالى ولا يركبهم الشحم! فأين يذهب هذا الطعام كله؟