وكان من أثر حُكم الإنكليز أنْ تركوا في مظاهر الحياة في الهند وباكستان كثيراً من آثارهم، فأسماء الشوارع في كراتشي إنكليزية (أو كانت في العهد الذي أتكلّم عنه، قبل ثلاثين سنة كاملة، إنكليزية) وعادات العلية من الناس عادات إنكليزية، واللغة الإنكليزية فاشية بين الكبار والصغار. وكثيراً ما رأيت فقيهاً في مسجده أو تاجراً في سوقه وهو ينطق الإنكليزية كأهلها، مع أن النطق بها عمل من الأعمال الشاقّة التي يُحكَم بها على عُتاة المجرمين!
وكان من عادتي إذا نزلت بلداً أنني أحفظ اسم الفندق ثم أمشي على غير هدى، أمشي الساعة والساعتين والثلاث، ثم أقول لسائق السيارة (أو الركشة، وسأخبركم ما هي الركشة): خذني إلى فندق كذا، فيأخذني إليه.
مشيت مرة ثم ركبت ركشة فقلت لسائقها:"سنترال أوتيل"، فما فهم عني. فكرّرت اللفظ وهو يهزّ رأسه بأدب، فكتبت له الاسم كتابة على ورقة كانت معي، فضحك وقال:"صنطرل هطل"؟ أي أنه خطف الراء وفخّم اللام ومضغ الكلمة بين لسانه وأسنانه مضغاً حتى صار الأوتيل هطلاً، وكانت هذه هي بلاغة الكلام عند الإنكليز.
ولقد كتبت مرة أقول إن اللغة الإنكليزية أفظع اللغات، وإن كنت لا أعرفها، أشهد عليها بما سمعته عنها. فيها حروف تُكتَب ولا تُقرأ وحروف تُقرَأ وهي غير مكتوبة، وحروف تُقرأ في كلمة على صورة وتُقرأ في الكلمة الأخرى على صورة غيرها، وقواعدها