سيما إذا كان شيخاً كبيراً. لكنه توسّل إليّ وألحّ عليّ حتى أركب معه، فأعطيته الأجرة ومشيت، فأباها ورفضها وأصرّ على أن أركب. فركبت وانطلق راكضاً، وحرارة الجوّ فوق الأربعين والعرق يغسل جسده، وأنا أرجوه أن يُبطئ وأكلّمه بالإشارة، وهي اللغة التي لم أكُن أعرف غيرها في رحلتي كلها، فيظنّ أني أستحثّه فيزداد ركضاً وإسراعاً، حتى وَقْفتُه وأعطيته أجرته، وزدته عليها ونزلت فأخذت سيارة.
والغريب حقاً أن هذه العربات يجرّها الإنسان، والبقر المقدسة تمشي في شوارع الهند -كما سترون- طليقة. وليست بقرة ولا بقرتين ولا عشراً، بل إنك لا تمشي عشرين متراً في كلكتا مثلاً حتى تلقى بقرة. وقد تمرّ واحدة في الشارع العظيم فيَقِفُ لها الشرطيُّ السيارات حتى تجتاز بسلام واحترام. وقد تأكل أثمن الفاكهة من الدكاكين أو أندر الأزهار من الحدائق فلا ينهاها أحد، بل يتبرّكون بها! وسيأتي خبر ذلك كله إن شاء الله.
هذا هو الأصل في الركشة. لكنها تطوّرَت فلم يعُد يجرّها رجل. بل صارت مقعداً مربوطاً بدرّاجة يركبها السائق ويحرّكها برجلَيه. والمقعد في كراتشي وراء سائق الدرّاجة وفي أندونيسيا أمامه، كأنهم خافوا أن يهرب من غير أن يدفع الأجرة أو أرادوا من الرّاكب إذا كان حادث اصطدام أن يتلقّاه بوجهه الكريم وأن ينجو السائق سالماً! ورأيت الركشة في سنغافورة إلى جنب راكب الدرّاجة. ثم تطوّرَت الركشة فصار مقعدها يُربَط بدرّاجة آليّة (بخارية) فلا يتعب السائق بتسيِيرها، ولم تبقَ الركشة الأصلية إلاّ في المدن الهندية العتيقة مثل كلكتا.