للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كراتشي مدينة جديدة مشرقة مضيئة، على الضدّ من كلكتا. كانت قبل إنشاء باكستان مدينة صغيرة فصارت من بلاد العالَم الكبار، وكانت لمّا زُرناها عاصمة باكستان، فهي مرفأ عظيم ومطارها من أكبر المطارات، وهي باب الشرق كلّه. شوارعها فسيحة فيها الأشجار المزهرة، الشجرة منها بحجم شجرة الجوز الكبيرة ولكنها ذات زهر دائم أحمر أو أصفر.

وأوّل ما ينتبه إليه المسافر إذا نزل بلداً نظامُ السير. وهو في كراتشي على غاية من الضبط والإحكام، تتسابق السيارات في الشوارع كأنها بنات الجِنّ ولا ترى حادثاً واحداً، وللمارّة عند تقاطُع الشوارع نفق تحت الأرض من جانب إلى جانب. ورأيت وأنا أمشي في كراتشي برجاً عالياً فيه ساعة ضخمة وتحته بناء جديد له بوّابة كبيرة، فحسبته جامعة أو مكتبة عامّة، ورأيت الناس يدخلون إليه فدخلت مع الداخلين، فوجدته ليس بالجامعة ولا بالمكتبة ولكنه سوق الخضر! سوق نظيفة عجيبة مرتّبة أجمل ترتيب، فقِسم للقصّابين ليس فيه ذبابة واحدة، وقسم للخضر، وقسم للفواكه، وأقسام لكلّ ما يحتاج إليه البيت، والأسعار محدّدة معلَنة. وإذا في كل حيّ من أحياء البلدة مثل هذه السوق.

وكنت كلّما سرت مئة متر وجدت دكاكين صغاراً فيها رجال قاعدون، وأمام كل واحد منهم جامان من النحاس الأصفر وورق شجر أخضر يلفّه ويضع عليه ممّا في الجامَين، والناس مزدحمون عليه. وقد ذكر هذا الورقَ وطريقة استعماله ابنُ بطّوطة في رحلته، وقد بقي من أيامه إلى الآن لم يتبدّل ولم يتغير. هذا هو ورق «الفوفل» يأخذونه ويضعون عليه شيئاً حاراً ملوّناً ويمضغونه ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>