أيام الشريف فيصل بن الحسين مدرسة عسكرية، ثم ورثه منهم الفرنسيون فأبقوه على حاله، لم يحتَج استرداده منهم إلاّ لمسيرة الشيخ إليه ووراءه تلامذته، وعلى عاتقه ثقل الثمانين التي عاشها وفي صدره نور العلم والإيمان، فما هي إلاّ أن دخله عليهم حتى خرجوا منه وأخلوه.
ثم داخل طائفةً من العلماء حبُّ الدنيا وطلبوا حظوظ نفوسهم قبل طلب رضا ربهم، فوكَلهم الله إلى نفوسهم، وتزاحموا على أبواب الحُكّام فصرف الله عنهم قلوب الناس.
وبقيَت طائفة على طريق الحقّ، تطلب العلم لله وتؤدّي فيه حقّ الله، لكن الشرّ قوي من حولها. وازداد أتباعه فشغلوا الناس بالعاجلة ولذّاتها عن الآجلة ومكارهها، وهؤلاء العلماء ثابتون على الحقّ، ولكنهم يقيمون من حولهم جداراً من الكتب والحواشي ويعيشون في برج عاجي، يتنفسون هواء هذا القرن وعقولُهم وتفكيرهم في القرون المَواضي.
ومنهم من هو خَرّاج وَلاّج، عارف بالدنيا وأهلها يدرك ظواهرها وبواطنها، ولكنه يحرص على إرضاء الحكام وموافقة العوامّ، وهذا لا يكاد يأتي منه خير.
ومنهم من جمع خوف الله وجرأة القلب وطلاقة اللسان، فنزل إلى الميدان، يعلّم الجاهل ويقوّم المائل ويصلح الفاسد، ويؤدّي حقّ العلم عليه حين أخذ الله على العلماء أن يبلغوه الناس ولا يكتموه.
ولمّا ابتُلينا بالاحتلال كان الذين قادوا النضال وأوصلوا