كذلك فهم الحُرّيةَ هؤلاء الجاهلون، أو كذلك أراد لهم هواهم أو شاءت لهم رغباتهم وميولهم أن يفهموها. ودفعوا أكثر الصحفيين، فلبثوا أياماً طوالاً لا كلام لهم إلاّ في الدفاع عن هذه «الحُرّية»، وأثاروا بعض النوّاب في المجلس، فجرّب كل واحد منهم أن يتعلّم الخطابة في تقديسها. ثم عمدوا إلى فئة من خطباء المساجد حامَوا عن الفضيلة فساقوهم إلى المحاكم سَوق المجرمين، وأدخلوهم السجون من غير مستند إلى قانون من القوانين، وجرعوهم كؤوس الذلّ، حتى صار مَن يذكر السفور بسوء أو يدعو إلى الفضيلة والستر كمن يدعو إلى الخيانة العظمى (١).
وتوارى أنصار الفضيلة من هذه العاصفة الفاجرة الهوجاء.
وحسب أولئك أن الظفر قد تمّ لهم وأن أهل الدين قد انكسروا كسرة لا تُجبَر، فكشفوا القناع وانطلقوا يسرحون وحدهم في الميدان ويمرحون. وكانت النتيجة أن انحطم السدّ فطغى سيل الرذيلة وعمّ، وامتدّ في هاتين السنتين أضعاف ما امتدّ أيام حكم الفرنسيين، وازدادت جرائم التعدّي على العفاف واستفحلَت، حتى رأت المحاكم من يعتدي على عفاف بنته أو أخته، أو على طفل رضيع! وماذا يصنع هذا الوحش الذي أثارت «الحُرّية الشخصية» غرائزه فلم يجد إلاّ البنت والأخت أو الطفل الرضيع؟
ثم ازدادت الجرأة حتى رأينا بعض مجلاّت دمشق تقلّد
(١) وتولّى كِبْر ذلك سعد الله الجابري وكتلتُه، فسوّد به صفحته وأفسد وطنيته.