لقد كان أثر هذه الخطبة في الناس أضعافَ ما كُنّا نقدّر لها؛ لقد أشعلَت الحماسة في نفوس الذين استمعوا إليها، ونقلوا ما أحسّوا به إلى غيرهم، فما كان الغد حتى كانت حديث الناس في بيوتهم وفي مجالسهم، ولم يبقَ بعدها إلاّ أن ندعو إلى عمل لا نرغب فيه ولا نأمن عواقبه. فاجتمعنا، ورأيت بعض المشايخ كأنهم قد عتبوا عليّ وغضبوا لأنني لم أخبرهم بهذا الذي نويت أن أقوله ونفّذته وهم لا يدرون به. وكان الاتفاق على أن ألقي محاضرة من جنس ما كنت أقول في برنامج «نور من القرآن» في عشيّات أيام رمضان. لقد كان فيها تنبيه وكان فيها تحذير، وكان فيها بيان للحقّ وكان فيها إنكار للمنكَر، ولكن بأسلوب هادئ، فجئت الآن أصنع ذلك بهذا الأسلوب الثائر المثير.
ورأيت أن من الحكمة أن نهدّئ بعض ما أثرنا، فلجأت إلى العالم الجليل صديقنا الشيخ محمد أبي زهرة رحمة الله عليه، وكان في الشام، فرجوته أن يُلقي هو المحاضرة المقبلة، لأننا وعدنا الناس أن يكون هذا الاجتماع أسبوعياً يتنقّل من مسجد إلى مسجد من مساجد دمشق الكبار. فقبل الرجل جزاه الله خيراً، على أن تكون محاضرة فيها بيان للحقّ وفيها هدوء، وأن تكون بعيدة عن الإثارة وأن تكون خفيفة الحرارة.
وفي حيّ من الأحياء الشعبية القديمة التي كانت في طرف دمشق يُدعى حيّ العقيبة (وكان من قبل ضاحية من ضواحي الشام تُسمّى منزل الأوزاع، وإليها يُنسَب الإمام الأوزاعي)، ذهب مع طائفة من الشباب إلى الاجتماع فوجد -كما خبّرني هو من بعد- حشداً لم يرَ مثله ولم يكن يظنّ (وهذه عبارته) أنه يمكن أن يرى