للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثله؛ فالمسجد بصحنه وحرمه والطرق المؤدّية إليه والسقوف المشرفة عليه والساحات القريبة منه، كلها مزدحمة بالناس ليس فيها موطئ قدم لماشٍ ولا مكان يقعد فيه قاعد، وقد مُدّت إليها الأسلاك ونُصبت فيها مكبّرات الصوت ووُضعت فيها المصابيح في الأمكنة التي لا تكفي فيها أضواء الشوارع.

وخبّرني رحمه الله أنه كان يريدها محاضرة علمية هادئة، ولكن هذا الجوّ الحماسي أعداه وهزّه وأثاره، فكانت الخطبة على غير ما كان يقدّر، تحمّس فيها وحمّس، وإن لم يبلغ في ذلك مبلغ ما كنت فيه في الخطبة الأولى.

وكانت عيون الحاكمين منبثَّة بين الناس، وكان المُخبرون بالمئات مختلطين بالحاضرين، فلما رأوا أن ما صنعوه لم يُغنِ عنهم شيئاً قطعوا التيار الكهربائي في وسط الخطبة عن الحيّ كلّه، فَخَفَتَ صوت الخطيب وعمّت الظلمةُ المسجدَ وما حوله. ولكن المفاجأة -كما خبّرني الشيخ رحمه الله- أنها لم تمضِ دقيقتان حتى عادت الأنوار كما هي ورجعت الأصوات عالية مجلجلة؛ ذلك أن القوم (ولست أعرف من هم، ولكن الله يعرفهم) قد أعدّوا لكلّ مفاجأة متوقَّعة عدّتها وهيّؤوا محرّكات لوصل ما يمكن أن ينقطع من التيار، ونجحَت خطتهم نجاحاً عجيباً.

وكان الأسبوع الثالث في المسجد المعروف باسم جامع زيد ابن ثابت، وهو في الطرف الثاني من أطراف دمشق. وكان مدرسة شرعية يقوم عليها شيخ من أتقى الشيوخ العاملين لله، الذين تجرّدوا من حبّ الدنيا ومن الرغبة في الجاه، وأخلصوا في دينهم وابتغوا

<<  <  ج: ص:  >  >>