للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالئ الدنيا وشاغل الناس، وغدا اسمه في كل صحيفة وذِكْره على كل لسان، وغدوت أنا واحداً من غمار الناس. فمن أين تدخل الصداقة أو العداوة بيني وبينه، ولا سنّي من سنّه، ولا طريقي على طريقه، ولا أصحابي هم أصحابه؟ أصحابه تيتو ونهرو والملوك والرؤساء وسكناه القصور (١)، إنْ حلّ بلداً انتفض البلد فخرج أهله لاستقباله وإن رحل عنه اجتمعوا لوداعه عند ترحاله، يعرف الناس أخباره ويتابعونها، فما الذي يجمعني به أو يقرّبني منه حتى أكون عدواً له أو أكون صديقاً؟

قابلته مرّة مع وفد عربي مشترك من أجل الجزائر كما قابله آلاف من الناس، وقعد معنا وحدّثَنا كما قعد معه وسمع حديثَه آلاف من الناس، ومشى معنا إلى باب داره لمّا خرجنا يودّعنا، وكنت أمشي إلى جنبه، فلما فاجأَتنا عدسة المصوّر تأخّرت أريد الابتعاد حتى لا أظهر في الصورة ولكنني ظهرت فيها معه. ولست أكره الآن ذلك ولا أفتخر به، ولكن أذكر ما كان. فلئن جمعَتني به صورة فإن مئات من الناس جمعتهم به الصور.

كان الوسيط بيني وبينه صديقي وأخي ورفيقي في حياتي كلها، القاضي الفاضل الذي صار وزير العدل في الجمهورية العربية المتّحدة، الأستاذ نهاد القاسم رحمة الله على روحه. لقد أحبّه أخي نهاد واعتقده صادقاً وبقي على حبّه واعتقاده حتى بعد موته. وكنا متّفقَين في كل شيء، حتى إذا جاء ذكر عبد الناصر اختلفنا اختلافاً كان يؤدّي بنا أحياناً إلى النزاع، فاتفقنا على أن نترك الحديث عنه جملة واحدة ويحتفظ كل واحد منّا برأيه فيه.


(١) أي بعد الرئاسة، أما قبلها فكان يسكن حيث تعرفون.

<<  <  ج: ص:  >  >>