للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسأكتب عن نهاد القاسم كما سأكتب إن شاء الله عمّن عرفت في حياتي من الرجال. وكان ينقذني من مواقف كثيرة كادت تؤدّي بي إلى الضرر، منها أنه لما أُلغِيت المحاكم الشرعية في مصر أوفد إلينا الرئيس موظفاً كبيراً نسيت الآن اسمه، فاجتمع بأعضاء لجنة قانون الأحوال الشخصية وهم الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ صبحي الصبار والشيخ الأسطواني وأنا، ليقنعنا بأن نصنع في الشام مثل الذي صنعوا في مصر وأن تُلغى المحاكم الشرعية وتحلّ محلّها محاكم جديدة، تُدعى محاكم الأحوال الشخصية. فناقشناه مناقشة طويلة، وساق له إخواننا الأدلّة والبراهين فلم يقتنع. فضاق صدري وقلت لهم: اسمحوا لي فسأتكلّم باسمي أنا، لا بأني عضو في اللجنة. فسكتوا، والتفَت إليّ ليستمع مني فقلت له: إن المحاكم الشرعية لا يمكن أن تُلغى في الشام، وإذا لم تصدّق هذا الذي أقول فانزل إلى الشارع فاسأل عني، هل أستطيع أن أفتح النافذة أمامك فأخطب فأستوقف الناس وأجمعهم وأخرجهم بمظاهرة تمشي إلى دار الحكومة لتطالب بإبقاء المحاكم الشرعية إذا أردتم إلغاءها أم أنني لا أستطيع؟

فبُهت ونال منه العجب من هذا الذي أقول، ثم استردّ أنفاسه فقال: هل هذا تهديد؟ قلت: نعم، إنه تهديد. لا بالمظاهرة ولا بإثارة الناس، فهذا كلّه هيّن. ولكنه تهديد لكم من الله بجهنّم الحمراء التي يصلاها كلّ من أراد أن ينسخ حُكماً من أحكام الله أو أن يعدّله أو أن يُبطِله.

فانتفض الرجل وخرج إلى غرفة الوزير، وكان بيننا وبينه أمتار معدودة لأن الوزارة في القصر العدلي الذي تكون فيه المحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>