غاب مدّة قصيرة ثم رجع بغير الوجه الذي ذهب به. ذهب متنمّراً غاضباً وعاد ليّناً راضياً، بل عاد يسترضيني أنا ويحاول أن يُزيل أثر ما كان. فأدركت بالحدس شيئاً ممّا قدرت أن الوزير قاله له، ولِنت معه بالقول حتى انتهينا إلى مسالمة واتفاق ومحونا أثر ذلك الصدام.
فلما لقيت الوزير الأستاذ نهاد القاسم رحمه الله قال لي: ما هذا الذي فعلت؟ قلت: وهل عرفت ما الذي كان؟ قال: نعم، لقد عرفته منه، وقلت له: إنك لا تعرف مَن هذا الرجل الذي أثرتَه ولا تعرف أثره في البلاد، فإذا وقع شيء تكون أنت المسؤول عنه أمام سيادة الرئيس لأنك لم تستشِرْني ولم تأخذ رأيي.
وساق له من أمثال هذا الكلام ما ملأ نفسه خوفاً من العواقب، حتى سأله: وما العمل الآن؟ قال: تعود إليه فتُصلح الأمر حتى لا يبقى لهذا الجدال أثر ولا ينشأ عنه ضرر.
* * *
ولهذا الموقف أمثال. وما كنت أريد أن أتكلّم الآن عن عهد الوحدة والانفصال بل كنت أنتظر أن أصل في الذكريات إلى الكلام عنهما، ولكن هذه الرسالة جعلتني أتعجّل القول قبل أوانه.
تحت يدي الآن مقالة منشورة في جريدة «الأيام» في الشهر الحادي عشر من سنة ١٩٦١ عنوانها «جواب واحد على سبع وأربعين رسالة». لا أعرف رقم العدد الذي نُشرت فيه ولا تاريخه لأنني قصصت المقالة من الصحيفة وتركت سائرها، فليسمح