الرسائل بلغ عددها إلى اليوم سبعاً وأربعين رسالة، فيها أشدّ العتب وأقسى النقد وأفظع الشتائم. وهذه الرسائل لا تمثّل رأي الأمّة، فإن الأمّة قد صرّحَت بآرائها في الانفصال بألسِنة علمائها وأدبائها وسياسييها وصحفيّيها ونسائها وتجّارها وصنّاعها وبدوها وحضرها، ولا يُطلَب من أُمّة أن تُجمِع كلها على رأي ولا يمكن ذلك. وإذا جاءني سبع وأربعون رسالة في إنكار كلمتي والردّ عليّ وتقبيح رأيي، مع الذي سمعت وكُتب من الثناء عليها، لا يكون في ذلك ضرر.
والذين أثنوا عليها -على كثرتهم- ناس معروفون لهم منزلتهم في هذا البلد، والذين كتبوا هذه الرسائل مجهولون، وأكثرهم شباب ناشئون مخدوعون غرّهم من كان بيده أمر تعليمهم فحشا لهم الكتب المدرسية بالأضاليل التي أرتهم الحقّ باطلاً والقبيح جميلاً ...
(إلى أن قلت): لقد سمعوا كلام الرئيس الذي كان يُلقيه في حشود القاهرة. فلما وصفتُ هذه الحشود وقلت إنها لا تُصغي إليه ولا تفهم ما يقول، بل تصيح في موضع الإنصات وتَجمُد في مكان الهتاف وتقطع عليه جملته وتتركه يتكلّم وحده لتهزج وترقص ... لما قلت هذا لم يَعُد يخطب في الحشود (أو لم يعُد يجد حشوداً يخطب فيها)، فصار يتكلّم من الإذاعة كلاماً فيه بكاء بلا دمع، وأرقام بلا وثائق، وأخبار بلا حقائق.
سمعوا هذا من بعيد فظنّوا البكاء عاطفة والأرقام صادقة والأخبار واقعة، ولم يروا ما كان عندنا ولم يعرفوا ما أصابنا،