للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلبه وانسياب دمعه؟ قال: لا تنظر إلى عينه التي تدمع ولكن إلى يده وما تصنع!

لقد ذُبحنا أيام الوحدة. لقد رأينا ما لم نرَ مثله أيام الانتداب. إي والله العظيم؛ لقد رأينا من الفسوق والعصيان ومخالفة الشرع والاختلاط والتكشّف، والحكم بغير ما أنزل الله، وخنق الحرّيات وكَمّ الأفواه وعَقْل الأقلام، وسجن الناس بلا ذنب أذنبوه ولا حكم حُكم به عليهم، ما لم نرَ مثله أيام الفرنسيين، "لا والله ولا أيام الثورة. ولقد صبرنا حتى ضجّ من صبرنا الصبرُ، ولم نعد نحتمل الألمَ فقلنا: آه! فهل كان معنى ذلك أننا أعداء الوحدة؟ " (١)

إن الوحدة يا سيدي لا توصف بذاتها بأنها خير أو أنها شرّ، والله جمع في آية واحدة بين قوله: {وتَعَاونوا} وقوله: {ولا تَعَاونوا} فقال: {وتَعَاوَنوا على البِرِّ والتَّقْوى، ولا تَعَاونوا على الإثْمِ والعُدْوانِ}. وإن اتّحد جماعة من المحسنين وتعاونوا على إنشاء جمعية خيرية كان ذلك خيراً، وإن اتحد اللصوص وتعاونوا على تأليف عصابة إجرام كان شراً. ولو جعلتموها وحدة بِرّ وتقوى واتّبعتم فيها شرع الله ولم تتعدّوا حدوده لظللنا كما كنا، مرحّبين بها مُقبِلين عليها. ولكنكم جعلتموها للإثم والعدوان: عدوان على أحكام الشرع، عدوان على أموال الناس وحرّياتهم. أفتبكي عليها بعدما وأدتَها؟

أتبكي على لُبنى وأنتَ ترَكْتَها؟ ... لقد ذهَبَتْ لُبْنى فما أنتَ صانعُ؟


(١) الجمل بين الأقواس من أصل الخطبة، لكنها لم تظهر في الطبعات السابقة من «الذكريات» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>