هذا نَصّ الكلمة التي أُذيعَت، ولكنها ليست التي كتبتها أول مرّة. لقد كتبت كلمة عنيفة فيها هجوم وفيها سخرية، وفيها نار تلتهب وبارود يتفجّر. ولكن صهري زوج بنتي، عصام العطار، وإخوة لنا، رأوا أن أهدّئ من نارها وأن أنقص من بارودها، فكتبت هذه وطلبت إلى الإذاعة ألاّ يُذيعوا الأولى. وكان الموكل بالإذاعة ضابطاً متحمّساً فعزّ عليه ألاّ تُذاع، فكاد يُصِرّ، وأصررت حتى كان ما أردتُ.
ذهبت إلى الإذاعة فألقيت هذه الكلمة وسمعها الناس، وعدت إلى داري. وكذلك أنا في حياتي كلّها: أخطب الخطبة أو أذيع الكلمة أو أكتب المقالة تزلزل البلد وربما أثّرَت في مجرى الأحداث، وأنا منفرد بنفسي في داري أو مع نفر من خاصة أصدقائي؛ لا أستثمر ما أقول ولا أجعله وسيلتي إلى لقاء الحكام. ولقد شهد كثير ممّن تُقبَل شهادته ممّن كتب مذكرات عن هذه الحقبة، وقالوا وبيّنوا ما كان لكلمتي من أثر كبير، وبأن مناطق في سوريا ما أيّد أهلها الانفصال إلاّ بعدما سمعوا كلمتي.
ارتضاها وأثنى عليها جمهور من الناس، وسخطها وذمّها وذمّ قائلَها جمهورٌ من الناس. وأذاعتها أو أذاعت فقرات منها إذاعات عربية كثيرة، وعلّق عليها الموافق والمخالف والصديق والعدوّ، حتى إذاعة إسرائيل أعادتها مرّات وعلّقَت عليها بما شاءت وشاء لها هواها وبغضها العربَ والمسلمين، وكتبَت عنها الصحف.
وهذا هو مقياس النجاح الإعلامي. ولكني أحاسب نفسي الآن فأفكّر وأسأل: هل كنت مصيباً فيها أو مخطئاً؟ لا بالمقياس