غيره عادوا فمدحوا مَن ذمّوا وذمّوا من كانوا يمدحون! حتى لقد بلغ بهم الأمر في هذه السنين الثلاث الماضيات أن ذكروا الكَفَرة بأسمائهم وأثنوا عليهم على منبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكل منبر في كل مسجد منبر رسول الله، لا يُقال من فوقه إلاّ ما يرضاه رسول الله صلّى عليه الله.
إنه لا يجوز أن يُسمع من فوق هذه المنابر إلاّ: قال الله وقال رسول الله، وإذا تكلّمنا فيها عن أحداث البلد فإنما نتكلم لنبيّن حُكم الله عليها وقول الشرع فيها. ومن صعد هذا المنبر خرج من شخصه وتَجرّد من آرائه وميوله، وسكت لسانُه لينطق الشرع على لسانه. إنه يقوم مقاماً قامه رسول الله ‘ ليُبلّغ دين الله، وهو مقام تتقطّع دونه أعناق الرجال. ولولا أن الخطبة شعيرة من شعائر الدين وفريضة من فرائض الإسلام وأنه لا بد منها، لفضّلت أن تنكسر رجلي عن أن أزعم لنفسي أني أصلح لهذا المقام.
على أني لست أنا الذي يتكلم الآن من فوق هذه الأعواد. أنا حين أكون على الأرض أكون رجلاً من الناس، واحداً من غمار الخلق، ليس لي غِنى الأغنياء ولا علم العلماء ولا سطوة الأمراء ولا وجاهة الوجهاء، ولكني حين أصعد هذه الدرجات أكون شيئاً آخر.
ليس علي الطنطاوي هو الذي يكلّمكم الآن. علي الطنطاوي إنسان يرغب ويرهب، ويرضى ويغضب، ويقول فيخطئ ويصيب، وله نفس أمّارة بالسوء مُثقَلة بالأوزار. ولكن الذي يتكلّم الآن هو الشرع، وإذا تكلّم الشرع أصغى كل إنسان، وإذا قال الخطيب