للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصوّرني شيخاً جليل القدر مهيب الطلعة، فكنت أكره أن أبرز لهم على لوحة الرائي فيرونني على حقيقتي ويقولون: هذا علي الطنطاوي؟!

ولكنني لم أستطع أن أهرب هذه المرّة لأنهم قالوا لي: لا بدّ أن تتكلم. قلت لهم: ما عندي موضوع. قالوا: قُل أي شيء، قُل: السلام عليكم. قلت لهم: لماذا؟ قالوا: لأن دعاية عبد الناصر قد أشاعت في سوريا وفي لبنان بأنك قد ذُبِحتَ فابرز لهم ليروا أنك لا تزال حياً. أما سمعت هذه الإشاعات؟

قلت: بلى والله سمعتها. وأنا منذ أيام أعاني من رنّة الهاتف في الليل والنهار ما لا يُحتمل، جاءتني الأخبار تسأل عني من كلّ المدن السورية ومن عمّان، يسألون: هل ذُبحت أم لا أزال حياً؟ ذلك لأن صحف بيروت التي تنطق بلسان عبد الناصر نشرَت بالعناوين الكبيرة في رأس صفحاتها أنني قد مِتّ.

قالوا: فماذا صنعت لمّا سمعت هذه الإشاعات؟ قلتُ: صدّقت وآمنتُ لأنها نُشرت في الجرائد، وشكرت سيادة الرئيس وأُجَراءَه لأنهم نفعوني منفعتين: منفعة في الدنيا ومنفعة في الآخرة. أما المنفعة التي هي في الآخرة فهي أن الناس لمّا سمعوا أني متّ نسوا أو تناسوا خطيئاتي الكثيرة ونقائصي، وقالوا «الله يرحمه»، فكسبت هذه الرحمات. وأمّا المنفعة التي في الدنيا فهي أني نجوت ثلاثة أيام من مطالب العمل في المحكمة ومن مطالب الأسرة في البيت، تجيئني البنت تقول لي: بابا، بِدّي (أي أريد) الشيء الفلاني. فلا أردّ، فتظنّ بأني لم أنتبه فتعود وتقول: بابا،

<<  <  ج: ص:  >  >>