كنت أرى في السينما فِلْماً مدرسياً يصوّر التلاميذ الصغار وهم في الامتحان، فإذا تلميذ من التلاميذ راقب غفلة من المعلّم فنظر في ورقة جاره ليسرق منها كلمة، يظنّ أنه لم يرَه أحد، وإذا بالمسكين افتُضح في كل دار سينما يُعرَض فيها هذا الفلم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. تصوّرت فضيحة هذا الولد فذهب خيالي إلى الفضيحة الكبرى على رؤوس الأشهاد عند الله، يوم تُنشر الصحف وتُعرض «الأفلام» التي سَجّلت كل ما عملناه في هذه الحياة الدنيا.
تلك الفضيحة، لا فضيحة التلميذ الذي غشّ بين أهله ورفاقه. يوم تشهد علينا أيدينا وأرجلنا وأبصارنا: ما أنكرناه بألسنتنا تُقِرّ به هذه الألسنة، وما اجترحناه بأيدينا تشهد علينا به هذه الأيدي، والرجل الذي يمشي إلى حرام تشهد عليه رجله إن أنكر لسانه.
لقد تعجّب الذين نزل عليهم القرآن: كيف تنطق الأيدي والأرجل؟ فجاءهم الجواب: بأنه أنطقها الله الذي أنطق كل شيء. قلت لكم من قبل (لأبيّن لكم أثر المدرّس الصالح في صلاح التلاميذ والمعلّم الفاسد في إفسادهم) إنه جاءنا ونحن صغار في المدرسة الابتدائية في أعقاب الحرب الأولى (سنة ١٩١٨) معلّم جعل يسخر من شهادة الأيدي والأرجل، يقول لنا: انظروا، هل لليد لسان حتى تنطق؟ هل للرِّجل فم حتى تتكلم؟
فأدخل واللهِ الشكوك علينا وكاد يؤثّر في إيماننا، ولكن الله سلّم. وعشنا حتى رأينا الشريط الجامد يتكلّم، وهذا الصندوق