الذينَ أسرفوا على أنفسِهِمْ} لم يقُل أذنبوا بل أسرفوا على أنفسهم في الذنوب وأكثروا منها، ومع ذلك فقد قال لهم:{لاتقنَطوا مِن رحمةِ اللهِ} مهما كثرت الذنوب فإنها تُمحى بالتوبة: {إنّ اللهَ يغفِرُ الذّنوبَ جميعاً}.
فيا ناس، لا تغترّوا بالدنيا. اعملوا للدنيا فإن الإسلام يأمر بالعمل، يأمرنا أن نكون أغنياء وأن نكون أقوياء وأن نجمع المجد والعلم من أطرافه كله، على ألاّ ننسى الآخرة:{وابْتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخِرةَ ولا تَنْسَ نَصيبَكَ مِنَ الدّنيا}؛ فلا ننسى الدنيا إذا انصرفنا إلى العبادة ولا ننسى الآخرة إن أقبلنا على الدنيا.
تقولون: لقد صار حديثك مواعظ. وما المانع من أن يكون حديثي مواعظ؟ وهل المواعظ مذمومة مرذولة؟ وهل نُمضي الحياة كلها في لهو ولعب؟ وهل نجعل الدنيا أكبر هَمّنا؟ هذه الدنيا لا تدوم، لا يدوم فيها شيء. هل دام على غنيّ غناه؟ هل دام على فقير فقرُه؟ أما يفتقر الأغنياء؟ أما يغتني الفقراء؟ أما يذلّ الأعزّة؟ أما يعزّ الأذلّة؟
بالأمس كان في هذه المدينة رجل جبّار من الجبابرة يتسلّط على كل شيء ويمدّ نظره ويده إلى كل بيت، وكان يظنّ ويظنّ سيّده هناك أنهما شاركا الله في مُلكه. أين هذا الرجل اليوم؟ إنه في السجن، وكان بالأمس على كرسي الحكم (١). هذه هي الدنيا، فبئس الرجل الذي يجعلها أكبر هَمّه.
(١) ذلك هو عبد الحميد السرّاج، الذي كان قبل الوحدة رئيساً للمخابرات وصار بعدها وزيراً للداخلية، فكان الرجل الأول في الإقليم الشمالي =