ثم يمضي كل ذلك ويطويه الموت، ثم يكون بعد الموت نشرٌ وقيام بين يدَي ربّ العالمين، فاذكروا (وأذكر أنا معكم) ذلك اليوم الذي نقوم فيه بين يدَي ربّ العالمين.
يا أيها الناس ارجعوا إلى ربّكم.
ولربما سألني سائل: ماذا كان شعورك لما سمعت تلك الشائعات؟ هل تظنّون أنني سُررت وفرحت بهذه الشهرة التي حصّلتها إذ يتحدّث الناس كلهم عني ويذكرون اسمي؟ إن الشهرة يطمح إليها الشبّان، بل ربما سُرّ بها كل إنسان. ولقد سعيت إليها من قديم كما سعى لِداتي وإخواني وكما يسعى الناشئون جميعاً، ولكني لما رأيتها زهدت فيها. إنني لا أجد مثلاً لها إلاّ السراب؛ أنتم لا تعرفون هنا السراب ولكنني عرفته لمّا رحلت رحلتي في الصحراء من دمشق إلى مكّة المكرّمة. يبدو من بعيد كأنه بِركة ماء، كأنه بِركة حقيقية، فإذا جاءه الإنسان لم يجد إلاّ التراب. لا يكون ماء إلاّ من بعيد. وكذلك الشهرة، تحسبها من بعيد شيئاً ممتعاً، فإذا وصلت إليها لم تلقَ فيها متعة.
= (سوريا) طَوال ذلك العهد. وقد اشتهر بأنه الرجل الذي حوّل سوريا إلى سجن كبير وصنع في الشام ما لم يجرؤ المحتلون الفرنسيون على صنع مثله من قمع وسجن وتعذيب ومطاردة للحريات. بقي الرجلَ القوي في سوريا لمدة ست سنوات حتى قُبض عليه يوم العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٦١، بعد الانفصال بأقل من أسبوعين، وأودع في سجن المزة الذي طالما أذاق فيه الناسَ العذاب، ثم هرّبته مخابرات عبد الناصر إلى مصر. وقد مرّ بكم خبر لقاء علي الطنطاوي به في الحلقة ١٥٦ من هذه الذكريات (مجاهد).