أنا من سنين طويلة معتزل مغلق عليّ بابي، لا أكاد ألقى أحداً ولا أُزار ولا أزور. فما الذي ينفعني إذا كان يذكرني الملايين؟ وما الذي يضرّني إذا لم يذكروني أو لم يعرفوني ولم يعلموا بوجودي؟ وما الذي يفيدني إذا مدحوني؟ وما الذي يضرّني إن ذمّوني؟
إن شعوري لمّا سمعت هذه الشائعات أنني تمنّيت على الله لو أنها كانت صادقة. كنت أمضي شهيداً، وهل أطمع بشيء أعظم من الشهادة؟ ولكن الله لم يُرِدْها لي. فإذا كنتم تريدون أن تكافئوني على أحاديثي وأحببتم أن تنفعوني فأنا لا أريد أموالكم، فعندي من المال ما يكفيني، ولا أريد من جاهكم، ولكني أريد دعوة صالحة من واحد منكم بظهر الغيب إذا قام في السحَر أو قعد بعد الصلاة وتوجّه قلبه إلى الله، فليدعُ لي دعوة صالحة.
هذا الذي أبتغيه منكم، وأسأل الله أن يوفّقني ويوفقكم لِما فيه الخير لي ولكم، والسلام عليكم.
* * *
وكنت أنشر في جريدة «الأيام» عند صديقنا الأستاذ نصوح بابيل بعنوان: «كل يوم خميس مقالة»، فكان ممّا قلته في مقالة نُشرت في الشهر الحادي عشر من سنة ١٩٦١ (وقد قطعت المقالة ولم أقطع معها رقم العدد ولا تاريخ اليوم)، كان ممّا قلت فيها رداً على جرائد عبد الناصر في بيروت (١):
(١) هذا الجزء من الحلقة من هنا إلى آخرها هو تتمة مقالة «جواب واحد على ٤٧ رسالة»، وقد مرّ بكم أكثر المقالة في الحلقة ١٥٩، لكنها قُطعت هناك في آخر الحلقة فجاءت تتمتها هنا (مجاهد).