للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليبيعني علاوة للنظارات لا أحتاج إليها، ولم يزَل بي يكلّمني بلغته كلاماً لا أفهمه ويدلّ بإشارات وجهه وحركات يديه على ما يريد، ثم وثب ليصل إلى وجهي ليضع العلاوة على نظّاراتي! فضحكت منه وأعلنت الهزيمة بعدما سار معي دقائق، واشتريت العلاوة على رغم أنفي، ولم يأخذ مني إلاّ ثلاثة أضعاف ثمنها فقط لا غير!

وسنغافورة ميناء حُرّ مثل هونغ كونغ، ليس فيها مكوس (جمارك)، لذلك تجد فيها منتجات الدنيا كلها، تُباع البضاعة فيها بأقلّ من سعرها على باب المصنع الذي صنعها. وقد اشتريت منها أشياء برُبع ثمنها في جاكرتا وعُشر ثمنها في كراتشي. وقد اشتريت منها حذاءَين أنيقين لا يزال أحدهما عندي، نعلهما من المطّاط ووجههما من المُخمَل ثمن كل منهما ثلاث ليرات سورية (تساوي اليوم، أي وقت كتابة هذه الحلقة، ريالاً واحداً!). ذلك أن كل شيء فيها رخيص، وأرخص ما فيها مصنوعات المطّاط، ومنها ومن أندونيسيا يأتي ثلاثة أخماس مطّاط العالَم، وشجره يُشبِه شجر الأوكالبتوس الذي كان يملأ شوارع دمشق ونسمّيه شجر الكينا، ولكنه أكبر منه ويكون منه غابات، وهم يشقّون جذع الشجرة فيسيل منها ماء قليل، فيجمعونه في أوانٍ ويحملونه إلى المعامل فيعالجونه فيها. ولم أزُر معامله لأرى ما يصنعون به حتى يصير المطّاطَ الذي نعرفه.

وكانت الحركة الوطنية في ماليزيا كلها (وسنغافورة معها) على أشدّها لمّا زرناها، فكان الوطنيون يخرجون ليلاً إلى الغابات يقصدون الشجر ويسيلون ماءها هدراً على رغم ما يتّخذه الإنكليز من وسائل لحراستها، لأن أكثرها ملك لهم أو لمن يلوذ بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>