للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصائب، فرأيت أني لست في شيء من الجلادة ولا من الصبر ولا من الثبات. صحيح أنه:

ولا بُدَّ مِن شكوى إلى ذي مروءةٍ ... يُواسيكَ، أو يُسلِيكَ، أو يَتوجّعُ

ولكنْ لا مواساة في الموت، والسلوّ مخدّر أثره سريع الزوال، والتوجّع يُشكَر ولكن لا ينفع شيئاً.

وأغلقت عليّ بابي، وكلّما سألوا عني ابتغى أهلي المعاذير يصرفونهم عن المجيء. ومجيئهم فضل منهم، ولكني لم أكن أستطيع أن أتكلم في الموضوع؛ لم أُرِد أن تكون مصيبتي مضغة الأفواه ولا مجالاً لإظهار البيان. إنها مصيبتي وحدي فدعوني أتجرّعها وحدي على مهل.

ثم فتحت بابي وجعلت أكلّم من جاءني. جاءني كثير ممّن أعرفه ويعرفني وممّن يعرفني ولا أعرفه، وجعلت أتكلم في كل موضوع إلاّ الموضوع الذي جاؤوا من أجله. استبقيت أحزاني لي وحدّثتهم كلّ حديث، حتى لقد أوردت نكتاً ونوادر. أتحسبون ذلك من شذوذ الأدباء أم من المخالفات التي يريد أصحابها أن يُعرَفوا بها؟ لا والله، ولكن الأمر ما قلت لكم. كنت أضحك وأُضحِك القوم، وقلبي وكل خليّة في جسدي تبكي. فما كلّ ضاحك مسرور:

لا تحسَبُوا أنّ رقصي بينكمْ طرب ... فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً منَ الألمِ

كنت أريد أن أصف لكم ما بقلبي، ولكن هل ترك لي الشعراء مجالاً للحديث عن قلبي؟ هل غادرَ الشعراءُ من متردَّمِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>