ولمّا أضاء النهار وبدت عين الشمس تضحك للدنيا من نافذة الأفق فتضحك للقائها الدنيا كان القطار قد بَعُد بنا عن البلد، فرأينا عن يسارنا مزارع الأرزّ وعن أيماننا الجبال تلبس فروة خضراء، بادياً صفوها يتزاحم على سفوحها وذُراها عمالقة الأشجار، يمشي في موكبها وبين أرجلها آلاف من أنواع النبات، فمن دخل هذه الغابات لم ترَه عين الشمس ولم يرَ هو وجه السماء، لأنه يكون -كما قلت لكم- تحت سبعة سقوف من الأغصان والأوراق.
ورأيت الزهر من خلال الأرز كالشقائق الحُمر خلال خضرة القمح في بلادنا، فلما دنا بنا من ذلك القطار رأينا ما حسبناه زهراً ليس بالزهر وما ظننّاه من النبات ليس من النبات، إنما هو البنات الحاصدات بأُزُرهنّ الملوّنة (أي الفُوَط) التي تحكي الزهرَ بنقشها ولونها، وعلى رؤوسهن قبعات الخوص الكبار كأنها المظلاّت المنقوشة. والقوم هناك يحصدون الأرزّ بالأيدي، ثم يجمعون عيدانه الطوال ويجعلونها كالأهرام (جمع هرم) ويعقدونها من فوق ويضعون لها صُرّة، فيكون منها منظر عجيب كأنها الأكواخ المسحورة في حكايات الجنّ.
وليست مزارع الأرزّ سهولاً، فما في جزيرة جاوة سهول، ولكنها جميعاً غابات فيها النبات المثمر النافع كالمطّاط والنارجيل والخيزران والكتّان والموز وقصب السكّر. وما مزارع الأرز إلاّ قطع من الأرض جُرّدت من أشجارها وسُلبت من الغابة، فهي تحاول أن تتوارى مستحيِية كأنها الفتاة العذراء جرّدتَها من ثيابها وتركت المصون من جسدها نهب العيون، تحتمي بالغابة فيحميها دوحها، ويحفّ بها من كل جانب يسترها ويُخفيها، فترى على