في تلك الساعة من كل ما قال شعراء الغزل في كل لغة ولسان.
وكان الرفيق الطيّب إلى جنبي والآخر إلى جنب الشيخ، فقلت لصاحبي: أما جعتَ؟ قال: بلى والله. قلت: أما من طعام؟ قال: لا أدري. قلت: قم بنا ننظر في القطار، فلا بد أن يكون فيه ما يؤكل. وقمنا نقفز من حافلة إلى أخرى، نتخطّى الركاب، ومنهم من يقف عند الأبواب ومنهم من يضع صُرّته وحقيبته على الأرض ويقعد عليها. وكان قطاراً طويلاً، فلم نبلغ آخره حتى بلغَت أرواحنا التراقي، ولكنا اكتشفنا أخيراً عربة الطعام كما كشف كريستوف كولمبوس أميركا، وصحنا كما صاح أرخميدس: أوريكا!
وقعدنا لنأكل. وكان الطعام في القطار هو الذي تلقاه في كل مكان في جزيرة جاوة لا يتبدّل ولا يتغيّر، وهو طيّب، ولكني لا أدري كيف لا يملّونه ولا تعافه نفوسهم وهم يأكلونه دائماً؟ ولو أنك أطعمت إنساناً أطيب أكلة يعرفها كل يوم ظهراً وعشيّاً شهراً كاملاً لملّها واجتواها واشتهى خبزاً وبصلاً، وهؤلاء يأكلون دائماً هذا الرز المسلوق المخلوط بالفلفل الأحمر، الذي يشتعل ناراً في الأنبوب الهضمي من الفم إلى المعدة إلى الأمعاء، إلى آخر الطريق، فيحرقها حرقاً، ومعه هذا السمك الذي يعملونه كجَرادق رمضان، والموز المشوي والمقلي والمطبوخ، والشاي البارد بلا سكّر!
والمضحك المبكي أننا بعد أن قطعنا هذا الطريق الطويل من عربتنا الفاخرة إلى مطعم القطار، ودسنا على أرجل عشرين إنساناً وشيّعتنا النظرات المتسائلة والمسبّات المستترة، وكدنا نسقط أربع