للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، وأوشكَت الحال أن تصل بهما إلى أن تُجَنّ هي أو تجنّن الزوج أو أن تُختَم فصول الرواية بالطلاق، لولا أن كانت مصادفة بدّلت حياتهما، كما تبدّل موجةٌ صغيرة مسيرَ الزورق من الشرق إلى الغرب أو تحول لحظةٌ عارضة وجهةَ إنسان من طريق النار إلى طريق الجنان.

ذلك أنهما وجدا يوماً ازدحاماً أمام مخفر الشرطة، فسألت: ما الخبر؟ فقالوا: إنه لقيط، ابن حرام، وهو طفل مولَّد. والمولَّد عندهم الذي يجيء من أب جاوي وأم هولندية. فدفعتها غريزة الأمومة المتوثّبة بين جوانحها إلى رؤية الولد، فإذا هي طفلة جميلة فتّانة جمعَت حلاوة أهل جاوة وجمال نساء هولندا.

وكان الناس بين مُشفِق على الطفلة، ولاعِن لها غاضب من والدَيها. فلم تتمالك أن أمسكت بها فضمّتها إلى صدرها، فأحسّت كأنها قد ضمّت يديها على كنوز الدنيا. وكان زوجها معها، فلمعت فكرة في ذهن الزوجين معاً، هي أن يأخذا الطفلة فيربّياها، ففعلا وأحسنا القيام عليها وتجدّدت بها حياتهما، وعادت النضارة إلى وجه المرأة ورجعت المسرّة إلى قلبها، ودخلت عليهما السعادة مذ دخلت هذه البنت، وأقاما عليها يُغدقان عليها الخيرات ويلفّانها بالحنان، وكبرت فكانت فتنة الأنظار فزوّجاها.

وما فارقتهما حتى أحسّت المرأة كأن شُعبة انشعبَت من قلبها، وكادت ترجع إليها عوارض المرض في نفسها، فوجدت لها بنتاً غيرها. ومرّت الأيام، وانتهى بهما الأمر إلى أن عرف الناس جميعاً خبرهما، فكلّما وجد أحدٌ لقيطاً حمله إليهما، ففتحا

<<  <  ج: ص:  >  >>