للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون للفرد منهم قولة شرف يصدُق بها، أمّا سياسيّوهم فقد أيقن التاريخ من زمان بعيد أن كلمتهم هي الكذبة الحمراء وأن وعودهم وعود عرقوب. اللهم إلاّ وعداً واحداً وفوا به لأنه وعد شيطاني، هو وعد بلفور.

وجاؤوا بقواهم الكبرى، القوّة التي حاربت اليابان، أسطول بحري وأسطول جوي وجيش كامل، ووقفوا أمام مدينة سورابايا شرقي جاوة. وكانت سورابايا أجمل مدن الشرق الأقصى وأكبرها، وبعثوا بالإنذار المشهور بأن يسلّم الشعب سلاحه كله ويفتح بلاده للهولنديين ليعودوا إليها، أو يرى التدمير الشامل.

شعب كان فيه ثمانون مليوناً يملك أغنى بلاد الدنيا بالثروة الطبيعية، يسلّم نفسه وأرضه لشعب فيه ثمانية ملايين فقط، جاء من بعيد، ليس له في هذه الأرض أصل من الأصول ولا حقّ من الحقوق؟ ونسوا كل ما كانوا يتشدّقون به أيام الحرب من حقوق الإنسان وحرّيات الشعوب.

وتردّد الشعب لحظة ودُهش، ثم عاد إلى نفسه فقال: لا.

وابتدأت الحرب، الحرب بين الذئب قوي الأنياب وبين الحمَل الوديع. ودُمّرت سورابايا كلها في ساعات معدودة، ولكن الحمَل الوديع انقلب بالإيمان أسداً. لقد صنع الأندونيسيون العجائب؛ لقد عملوا ما لم يُسمَع بمثله إلاّ من المجاهدين الأوّلين من المسلمين: قاتل الرجال جميعاً حتى الشيوخ والمرضى. قاتل الأطفال وأُلّف منهم فِرَق سميت «جيش النمل»، وقاتل النساء.

تقولون: وماذا يصنع الأطفال؟ لقد جمع الأطفال الحصى

<<  <  ج: ص:  >  >>