للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد مشى الغاصبون تحميهم نيرانهم ويحميهم حديدهم، ولكنهم كانوا يخوضون الدم ويمشون على الجثث، كل خطوة يخطوها جنديّ منهم بنفس زكيّة يجود بها مجاهد منّا. وكانت الحرب المقدَّسة وكان الجهاد في سبيل الله، وترك العلماء كتبهم ومساجدهم ومشوا على رؤوس المجاهدين، وكان منهم أبطال كبار، وحسبُكم أن تعرفوا أن سوديرمان القائد العامّ لقوّات المجاهدين كلها كان من المشايخ المدرّسين في مدارس الجمعية المحمدية. لقد مرض وأُجريَت له عملية جراحية بُترت فيها إحدى رئتيه وحُمل بعدها على المحفّة، ولكن لا إلى بيته ولا إلى مصيف هادئ يستريح فيه حتى ينقه، لا بل إلى ساحة الجهاد ليعاود القتال!

وكانت كل هجمة تبدأ بـ «الله أكبر» وكان كل بيان يُذاع يُشرع فيه بـ «الله أكبر». واستمرّ الجهاد سنين، وبلغ عدد المصابين من قتلى وجرحى ومفقودين أكثر من مئتَي ألف، واعتُقل سوكارنو وحتا ورجال الحكومة بعدما احتُلّت أكثر المدن، فأُقيمت الحكومة مؤقتاً وسط الغابات وثابرت على القتال.

وكانت تظهر كل يوم بطولات تحيّر العقول: حوصرَت فرقة من المجاهدين وانقطعت عنها النجدات، ولم يكن بينها وبين مركز الجهاد من سبيل إلاّ بخوض نهر فيه تماسيح مفترسة، فتطوّع قوم ليُلقوا بأنفسهم فيه لتفترسهم التماسيح فتشتغل بهم فيمرّ غيرهم ويأتي بالنجدة! وكذلك كان.

لم يعُد للحياة قيمة، وصارت الشهادة هي الأمنيّة الكبرى

<<  <  ج: ص:  >  >>