النقد وألِفت الهجاء، فلو كتب الآن عني كاتب ورماني بكل موبقة ومزّق أديمي كل ممزَّق ونسب إليّ كل رزيّة ما حرّك ذلك من جسمي شعرة واحدة، وقرأت ما كتب كما أقرأ هجاء جرير أو بشار أو ابن الرومي، أقرؤه على أنه أدب مجرد.
* * *
والصدق أقرب طريق، لا سيما مع الأطفال، إلى بلوغ المرام وكسب الاحترام. وقد وقعت لي حوادث كثيرة لي فيها كتابات متناثرة في كتبي، لو جُمعت لجاءت منها رسالة كبيرة فيها تجارِب في التربية تنفع من يقرؤها؛ من ذلك أن صفوان ابن أخي ناجي، وكان صغيراً، وهو اليوم فوق الأربعين وله قلم بليغ، أرادوا أن يُسقوه دواء كريهاً فأبى أن يشربه، فأحاطوا به يقولون له: إنه طيّب وإنه لذيذ فذُقه، ذُق منه قليلاً، إنه طيّب ... وهو يأبى ويبكي. فقلت لهم: دعوني معه.
فأخذته جانباً فكلّمته بحيث لا يسمعون، قلت: يا صفوان، هذا الدواء واللهِ كريه جداً وطعمه لا يُحتمَل ولا تستطيع أن تشربه، ولكنني إذا مرضت مثل مرضك شربتُه وأنا كاره له. فتعجب وقال: كيف تشربه إذا كان كريهاً؟ فضحكت وقلت: لأنني كبير، والكبير يقدّر المنفعة، فإذا كان الدواء على سوء طعمه نافعاً شرِبَه ولو كان كارهاً، أما أنت فلا تشربه لأنك صغير. قال: بل أنا كبير. قلت: ياابني أنت صغير لا تستطيع أن تشربه، وأنا لمّا كنت صغيراً مثلك كنت أرفض الدواء مثل رفضك، أو أصنع شيئاً لم تصنعه أنت لأنك أحسن مني. ففتح عينيه وقال: ماذا كنت تصنع؟ قلت: كنت