للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخذ كأس الدواء وألقيه وراء المخدّة (وكنا نقعد على وسائد على الأرض ونستند إلى مخدات وراء ظهورنا). فضحك وقال: أنت تفعل هذا؟ قلت: نعم، وأمّا الآن فأنا أشربه لأنني كبير. قال: وأنا كبير. قلت: لا، أنت لست كبيراً.

وتركته وهممت بالانصراف، قال: يا عمو أنا كبير، أشربُه. فالتفتّ إليه وقلت له: إنك لا تستطيع أن تشربه، الله يرضى عليك، الصغار لا يشربون الدواء الكريه. قال: أنا لست صغيراً، أشربه، انظر شوف كيف أشربه. والتفتّ ببعض جسدي فرأيته قد شرب الدواء.

فالصدق مع الصغار خير من أن نكذب عليهم وأن نوهمهم ما يكذّبه الواقع. جاءني مرّة أحد أحفادي وهو يكره المدرسة لا رغبة له فيها. فقلت له: الحقّ معك إذا كرهت المدرسة ولم تحبّها، فأنا أيضاً لم أكن أحبها وكنت أحاول الابتعاد عنها، وإذا كانت عطلة أو غاب المدرس، ولو في غير يوم العطلة، كنت أفرح لغيابه. فتعجب وقال: لماذا لم تكن تحب المدرسة؟ قلت ما معناه: إنها قصّة قديمة جداً، وأقول لكم يا أيها القُرّاء: إنها عقدة نفسية عمرها أكثر من خمس وسبعين سنة، أُصِبت بها وأنا صغير ولكني كبرت ولم أستطع الخلاص منها.

كان ذلك سنة ١٣٣٢هـ قبل إعلان الحرب العامّة الأولى، وكان جدي يأخذني معه إلى جامع التوبة في أكثر الصلوات، فذهبت معه يوماً إلى صلاة الفجر، فلما قُضيَت أدخلني باباً يقابل المسجد، فوجدت ضجّة ودوياً ورائحة ليست مستحَبّة، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>