وجاءنا لمّا سقطَت فلسطين سنة ١٩٤٨ محامٍ فلسطيني قوي اسمه «س. ع.» يمشي على طريق المحامي الأول الذي حدّثتكم عنه. حضر في دعوى لامرأة من دمشق متزوجة بأفغاني في كابول، وكلّفته أثناء المحاكمة أن يأتي بشهود، فأبرز قائمة بأربعة شهود وطلب استنابة قُضاة بلادهم لسماع شهاداتهم: واحد في كابول في الأفغان وآخر في البرازيل والثالث في بومباي بالهند والرابع في اليمن. فأحسست ببوادر الغضب، ولكنني فكرت: ماذا أستفيد أو تستفيد المدّعية إن أغلظتُ له القول أو أسمعته ما يكره؟ إنه يقصد المماطلة والتطويل لأن وصول الاستنابة إلى البرازيل والأفغان والهند وعودة الجواب منها تستغرق شهراً. وكنت في المواقف الصعبة أتجه بقلبي إلى الله أن يساعدني وأن يُعينني، وجاء العون من الله، فهدَأ الثائرُ من أعصابي واستراحت نفسي، واتخذتُ هذا القرار: لمّا كانت الشهادة لا تكون إلاّ بحضور المشهود عليه وكانت نفقات السفر على طالب الشهادة فقد تَقرّر سؤال المحامي: هل موكِّله مستعدّ لدفع النفقات؟
فقال: إذا وافقَت الجهة المدّعية على السفر فنحن مستعدّون لدفعها. فقررتُ سؤال وكيل المدّعية عن ذلك، وخفت أن يقول لا، وجعلت أفكّر ماذا أفعل إن قالها؟ ففهم عني وقال: نعم، نحن مستعدّون. فقررتُ سؤال غرفة التجارة عن أجور السفر إلى تلك البلاد والإقامة فيها في فندق متوسط المدّةَ التي تستلزمها الشهادة، وتأجيل المحاكمة حتى يَرِد الجواب.
وجاء جواب غرفة التجارة فأعلنته في الجلسة التي بعدها، وإذا هو مبلغ كبير جداً، فكلّفت هذا المحامي إيداعه في صندوق