بالخروج فأبى. ورأيت أن الموقف لم يعُد يتحمّل، فلا هو يكفّ عن بذاءته ولا أنا أستطيع أن أُسكِته. وأعترف الآن أن الغضب تملّكني، وإذا غضب القاضي حاد عن طريق الصواب، فأمرت الآذن (الفرّاش) أن يُمسِكه من ربطة عنقه وأن يجرّه جراً حتى يلقيه خارج الباب.
ووجم المحامون، وانتشر الخبر وكبرَت المسألة، وقرّرَت نقابة المحامين (أو كادت تقرّر، نسيت الآن) مقاطعة المحكمة ما دمت أنا فيها. واهتمّت الوزارة واستدعاني الوزير بحضور الأمين العامّ، أي وكيل الوزارة، وهو القاضي الكبير العادل الأستاذ عبد الرؤوف سلطان الذي كنا نسهر عنده ليلة الأربعاء من كل أسبوع. وكان الوزير هو الزعيم الوطني الأستاذ زكي الخطيب، فقال لي بعد كلام طويل: هل ترضى أن أكون أنا الحكَم؟ فقلت له: يا سيدي، إن زكي بك الخطيب هو وزير العدل، وزكي بك الخطيب هو محام واسمه مسجَّل في سجلّ النقابة، وخصومتي أنا مع المحامين. وزكي بك الخطيب هو زعيمنا وأحد قادتنا الذين كنا نمشي وراءهم ونأتمر بأمرهم، وزكي بك الخطيب هو ابن عمّ أمي (لحّاً)، فأيهم الذي يريد أن يكون حكَماً؟ إذا كان القريب أو الزعيم فله أن يأمر وعليّ أن أطيع، وإذا كان الوزير فله كلّ حقّ يمنحه القانون وعليّ كل واجب يُلزِمني به القانون، وإن كان المحامي فليسمح لي أن أقول إن خصومتي مع نقابة المحاماة، أي مع المحامين وهو واحد منهم، فكيف يكون خصماً ويكون حكَماً؟
ولا أريد أن أسرد بقية القصّة، بل يكفي أن أقول إنها انتهت