باعتذار منه وتراجع مني ومصالحة بيني وبين النقابة، وعادت المياه -كما يقولون- إلى مجاريها.
وكانوا يأخذون عليّ أنني لا أدع الخصوم يقولون كل ما يريدون. وعذري أني أسمع كل ما يقال ثم ألخّصه بكلمات، وأصنع مثل ذلك مع المحامين: أثبت بالضبط ما يُفيد الدعوى وأدع ما عداه. فإن ادّعت امرأة مثلاً أنه طلّقها أسأله، فيبدأ قصّة ربما تستمرّ -لو تركتُه- عشر دقائق، يقول: كنا يا سيدي في الدار، وقد تعشّينا رزاً بالفول واللحم وشربنا الشاي، وكان في زيارة دارنا أبو، أبو ... أبو إيش؟ الله يلعن الشيطان، نسيت، هذا الذي كان ولده يعمل في وزارة المالية وكانت له دكان في سوق الحميدية ...
وأمثال هذا الكلام، يُبدئ فيه ويُعيد وهو لا ينفع ولا يُفيد، فأصرخ به: أجب على السؤال فقط: هل طلّقتَ كما تدّعي أم لا؟ ذلك أنه إن قال «نعم» فقد أقرّ وانتهت الدعوى، وإن قال «لا» كلّفتها أن تُثبِت دعواها، وهذا الكلام كله الذي يريد أن يقوله لا أثر له في الدعوى إلاّ أنه يُضيع وقت المحكمة ويؤخّر رؤية الدعاوى.
* * *
وكنا أحياناً نقرّر انتقال المحكمة إلى موضع الخلاف، للكشف على المسكن أو لتقدير القيمة في القضايا الوقفية. وكانت العادة المتّبَعة أن يُعِدّ طالب الكشف طعاماً كثيراً، وأن يجمع وجوهَ القرية إذا كان الكشف في إحدى القرى أو وجوهَ الحيّ إذا كان في