تصنع به ما تريد. وفتحتُ نافذة السيارة ومددتُ رأسي فناديت العسكري.
هنالك تبخّرَت حماسة هذا الرجل، وضاعت جرأته وهربَت شجاعته وجعل يقول: أرجوك أرجوك يا سيدي، أقبّل يدك سامحني، لا توقِعني معه. وأنا ساكت لا أقول شيئاً حتى وصل العسكري، وصار لون وجه الرجل بلون قشرة الليمون، فقلت: يبدو عليك أنك رجل خير ومَن يعمل خيراً يكافئه الله، فاذهب فحاول أن تصلح بينهما، أو الحقنا إلى المحكمة لعلك توفَّق بإقناع قريبتك وزوجها بإزالة الخلاف بينهما.
ولحقَنا وتم الصلح بينهما. أمّا الرجل فما صدّق أنه خلص من هذه الورطة، وأحسب أنه لم يعُد بعدها إلى هذه العنترية الفارغة. والعوامّ عندنا في الشام يقولون إن من يهدّد لا يفعل، والذي يفعل حقيقة لا يهدّد.
وقد وقعت لي أخرى مثلها؛ كنا ذاهبين إلى كشف فاعترضنا سائق «كميون»، والكميون في لغة أهل الشام عربة طويلة لها ستّة دواليب تحمل عليها وتجرّها ثلاثة من البغال القوية، ويسوقها غالباً ناس لهم ألسنة طويلة لا يتحاشون فاحش القول. فسدّ الطريقَ على سيارتنا، فقلت للسائق:«زَمِّرْ له»، فالتفت إلينا وبدأ معزوفة (مونولوج) له أول ما له آخر ضمّنه من أنواع الشتائم كل مبتكَر وكل بذيء، والسائق ساكت، حتى إذا بلغ الماء حافة الكأس ولم يعُد للصبر مكان نزل إليه فأمره بأن يسكت، فعاد يسبّ ويشتم، فلكمه تحت فكه لكمة ألقته كومة واحدة على الأرض، فقام