فسمعت ورائي جرساً، وفي نفسي أنه وهم صوّره لي حديث الدركي. ونزلت الدرَج فسمعت الجرس، وتنبّهت وفتحت أذني فإذا هو جرس حقيقة يُقرَع من خلفي ليس وهماً. فخفت قليلاً، ثم شجّعت نفسي وثبَتّ، ووقفت مكاني ساكناً لا أتحرّك، وجعلت أنظر ورائي فلا أرى شيئاً، فقلت أبقى واقفاً حتى أعرف ما الحكاية. وطال وقوفي، فسمعت الجرس من مكان قريب، فتتبّعت الصوت، وإذا ...
وإذا ماذا؟ هل تحزرون؟ وإذا هي قطة صغيرة لجيران المحكمة في عنقها جرس صغير، تشمّ بقايا الطعام من أثر المراجعين الذين يدخلون المحكمة كل يوم بالمئات، فإذا أحسّت بي هربت وتوارت فلم أعُد أراها.
هذه هي قصة الجنّي الذي أفزع الدركي! وكنا أيام الأتراك نسمّي الدرك «الجِنْدِرْمَة»، وهي محرَّفة عن الكلمة الفرنسية «جان دارم» أي رجال السلاح. فهل رأيتم كيف أفزعت قطة صغيرة رجلَ السلاح فخاف منها وسلاحه معه؟
* * *
وتأخّرتُ يوماً فقعدت أمام البِركة، وكانت لها نافورة ضخمة يتفجر منها الماء عموداً من البلّور، تتكسر عليه أشعة الشمس حتى كأن فيه -كما قلت من قبل- عشرة آلاف قطعة من الألماس (ولا تقُل: من الماس) تنكسر مياهه وتتمايل، ويكون له خرير شجيّ أحلى في الآذان من المعازف والألحان. فاشتهيت أن تمتلئ البِركة وأن تفيض، فما كانت لتمتلئ، فقمت أنظر أين يذهب هذا الماء