القاضي الممتاز في دمشق رجع الحجّاج يشكون شكاوى كثيرة من المتعهدين وسوء معاملتهم وإخلالهم بشروط الاتفاق بينهم وبين الحكومة.
وكان من هذه الشروط أنه يرجع عند الاختلاف إلى مجلس تحكيم مؤلَّف من خمسة أعضاء رئيسهم قاضي دمشق، ينتخب المتعهدون اثنين. فاختاروا اثنين من دُهاة الرجال وممن له منزلة وشأن، وهما الشيخ أحمد القاسمي مدير الأوقاف، والمحامي سعيد الغزي الذي ولي -كما قلت- الوزارة مراراً وصار رئيسها مرة أو مرتين، لم أعُد أدري. ففكّرت مَن أختار أنا وأين أجد اثنين من وزنهما ليقفا أمامهما، فهداني الله إلى اختيار اثنين من مستشاري محكمة النقض، قاضيَين من أنزه القُضاة الثقة بهما عامّة، هما الأستاذ عبد الوهاب الطيب والأستاذ منير المالح، وقد ذهبا إلى رحمة الله. ووكّل المتعهّدون عنهم أبرع محامٍ في دمشق في الأمور المدنية، وهو أستاذنا في كلية الحقوق وهو شارح «المجلة» يوم كانت هي القانون المدني في الشام قبل أن يقوم حسني الزعيم بانقلابه المشؤوم وأن يستبدل بالمجلة المستنبطة من شريعة الله القانونَ المدني الذي وضعه عباد الله، لم يستندوا فيه إلى كتاب منزَل ولا إلى سنّة نبي مرسَل.
وعقد مجلس التحكيم سبع عشرة جلسة كل منها في ساعتين أو ثلاث ساعات، سمعنا فيها عشرات من الشهود ممن ذهبوا في تلك السنة إلى الحج وركبوا السفينة، منهم مشايخ وعلماء ومنهم تجار ووجهاء ومنهم جماعة من عامّة الناس، ثم أعلنّا ختام الجلسات وانتظار صدور الحكم.