وقد ظهر لنا كما ظهر لمن كان معنا من جهة المتعهد، أن المخالفة ظاهرة وإن التقصير بَيّن. فلم يكن من العضوين في المجلس اللذين جاء بهما المتعهدون (وهما الأستاذان القاسمي والغزي) إلا أن ينسحبا، ظناً منهما أن انسحابهما يعطّل التحكيم ويمنع صدور الحكم. فقرّرنا القرار الآتي: لمّا كانت الجلسة قد فُتحت بصورة قانونية، وكان انسحاب العضوين بعد انتهاء المحاكمة وسماع الشهود لا يؤثّر في إصدار الحكم، وكان صدور الحكم بالأكثرية كافياً لسريانه بمقتضى الاتفاق بين الحكومة وبين المتعهدين، فقد قرّرنا السير في المحاكمة وإصدار الحكم.
وصدر القرار بإلزام المتعهدين بما ثبت عليهم. وكان مبلغاً كبيراً بحساب تلك الأيام، وخفنا أن يتهربوا من دفعه فأبلغنا صورة القرار لوزارة المالية، ووزارة المالية لا تردّ مالاً يدخل إلى الخزينة ولا تُخرِج مالاً منها إلا بمستند قانوني صحيح. فحُصّل منهم المبلغ ولم يقدروا بعون الله على شيء.
* * *
وطلبني مرة في الهاتف وأنا في المحكمة الوزير البريطاني المفوَّض في دمشق، وكلّمني رجل بالعربية يطلب مني باسم الوزير موعداً ليزورني هو أو الملحق الثقافي نيابة عنه. فقلت لمن يكلّمني: إن المحكمة ليست لها صلة رسمية بالوزير البريطاني، فإن كان له شيء فليرجع إلى وزارة الخارجية. فقال: إنه لا يريد أن يجيء لأمر رسمي بل زيارة خاصّة ليسألني بعض الأسئلة الدينية. فلم أجد بداً من الموافقة، فحدّدتُ له موعداً يزورني فيه.