هل تدرون ما حديث القرى الأمامية (وأقول لكم بأسف إن حديث القرى الأمامية صار الآن تاريخاً يُروى)؟ لقد وقفتُ في قَلْقيليَة فإذا البلدة على صخرة مقفرة، وبساتينها أمامها يضحك فيها النبت وترقص الأشجار وتغنّي السواقي. أمّا البلدة فبقيَت للعرب، وأمّا البساتين فأُعطيَت لليهود (وأقول مرة ثانية إن البساتين أيضاً أُعطيت لليهود ولا أقول أخذها اليهود).
ولقد كان أهل قلقيلية يقفون معنا لمّا كنا في المؤتمر سنة ١٩٥٣ وذهبنا نزورها، كانوا يشيرون بأيديهم إلى الشجرة يقولون: أترون هذه الشجرة؟ لقد زرعتها بيدي في أرضي وتعهّدتها وسقيتها، فلما كبرَت وأثمرَت أكل ثمرَها اليهود! أترون هذه الساقية؟ لقد شققتها وأجريتها، فلما سال ماؤها عذباً سائغاً شربه اليهود! وبيوتنا التي عمّرناها بأيدينا أقام فيها اليهود، وفُرُشنا التي فرشها لنا نساؤنا نام عليها اليهود.
وفي كل شبر من فلسطين بقعة حمراء من أثر الدم الزكي، دم الشهداء الذين سقطوا صرعى دفاعاً عن بيوتهم وقريتهم وعن شرفهم وعن دينهم، ودم النساء والأطفال الذين ذبحهم اليهود.
لقد وقفنا في قَبْيَة على أنقاض المدرسة التي ضربها اليهود بالقنابل من سنتين فمات المعلّم والتلاميذ، ونبشنا الأنقاض، ورأينا هيكل طفل صغير يشير بيد من عظم قد فني من حوله اللحم، يفتش في الأرض عن عربي من الثمانين مليوناً، عن مسلم من الستمئة مليون (صاروا اليوم ألف مليون) ينقذه من هذه الحفنة من شُذّاذ الآفاق من اليهود، فلم يجد.