للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلسه وعنده تلاميذ، ما كانوا كتلاميذ المدرسة بل كانوا رجالاً بعمائم ولحى، فكنت أدخل عليه بالشاي أو بالفاكهة يحملها لي أول الأمر نساء أهلي إلى باب المجلس ويقرعن الباب، ويحمّلنني منها ما أطيق حمله، فيثب بعضهم فيأخذه مني ويحمله عني.

ثم صرت أقعد معهم قليلاً فألتقط الكلمة بعد الكلمة، ثم صرت أناولهم الكتاب بعد الكتاب، فعرفت الحاشية والقاموس المحيط وتنقيح الحامدية، والجزء كذا من تفسير الخازن أو من فتح الباري أو الفتاوى الهندية ... أقول إني عرفت شكلها واسمها لا إني قرأتها.

وكانت الحُجُب مسدَلة بين الآباء والأبناء لم تُرفَع كما رُفعَت اليوم، وما كنت أتبسّط معه في حديث فضلاً عن أن أدخل في مناقشة، وكنت أناديه (كما كان يفعل أمثالي ممن أعرف) بسيدي، ما قلت له يوماً يا أبي، أما «بابا» فما كنت أتصور كبيراً يقولها، إنما يقولها الأطفال في بداية عهدهم بالكلام.

وكان أبي معدوداً من مقدَّمي فقهاء المذهب الحنفي في الشام (١)، وكان أمين الفتوى عند المفتي الشيخ أبي الخير


(١) في ترجمة الشيخ محمد الطنطاوي الذي جاء من مصر أنه كان شافعياً، فينبغي أن يكون ابن أخيه أحمد الذي جاء معه شافعياً مثله. فكيف صار ابن الشيخ أحمد، الشيخ مصطفى، من مقدَّمي فقهاء الأحناف؟ أنا أستغربُ ولا أعرف الجواب. وكان جدي -رحمه الله- حنفياً كأبيه زماناً، ثم إنه خرج من الإطار الضيق للمذهب وصار يرجع في فتاواه إلى المذاهب جميعاً (إلا الفقه المالكي فقليلاً ما=

<<  <  ج: ص:  >  >>