للسَّرَخْسِيّ الحنفي أو في كتاب «الأم» للإمام الشافعي.
كان الشيخ أبو اليسر فقيهاً حنفياً متمكناً وكان نموذجاً كاملاً لعلماء القرن الماضي. وإن قلت «علماء القرن الماضي» عنيت أنهم في الغالب علماء رواية، يعرفون ما في الكتب فإن سألتَهم عن مسألة فيها دلّوك عليها لأنهم قتلوها بحثاً، وقد سمعتُ منه أنه قرأ الحاشية وأقرأها أكثر من ثلاثين مرة. والحاشية في خمس مجلّدات كبيرة (جمع مجلّدة). ووجدت مصداق ذلك لمّا كنت مستشاراً في محكمة النقض في سوريا ثم محكمة القاهرة أيام الوحدة؛ كنا في الجلسات التي تعقدها المحكمة في دمشق تعرض لنا مسألة فقهية، فأستأذن الرئيس بأن أهتف بالشيخ أبياليسر، وكان مفتي الشام، فإذا سألته عنها أجابني فوراً ودلّني على المرجع، أو استمهل مدة لم تكن تزيد أبداً عن ربع ساعة ودلّنا على الكتاب الذي نجدها فيه. فكان الرئيس والمستشارون يُدهَشون من ذلك ويُكبِرونه.
وكان للشيخ أبي اليسر مكتبة من نوادر المكتبات الخاصّة في الشام، فيها نُسَخ مُفرَدة لا ثاني لها من المخطوطات، منها ما استخرجه صديقنا بل أستاذنا الأستاذ عزّ الدين التنوخي من كتب في اللغة لأبي الطيّب اللغوي، نشرها -على ما أظن- المجمع العلمي في دمشق.
وكانت للشيخ أبي اليسر دروس لا تقلّ عن الأربعة أو الخمسة كل يوم: دروس في الصباح قبل الشمس في جامع الورد في سوق صاروجا، ودروس بين العشاءين، ودروس في الليل.