كان يستعمل ذاكرته في نقل النص ولا يعمل عقله في الاستنباط منه، رحمه الله.
والأستاذ عبد الغني الباجِقْني، وكان مدير مدرسة ابتدائية ولكنه عالِم أديب لم أعرف إلاّ قلة من الناس -على كثرة مَن عرفت في البلدان التي مشيت إليها- يقاربونه في بيانه وفي فصاحة لسانه وفي سعة اطّلاعه وفي سرعة استحضاره. وهو ثاني إخوة سبعة كلهم كان معلّماً عاملاً، أبوهم من طرابلس الغرب، ليبيا (أو هي كما كانوا يدعونها «لوبيا»)، وكانت له حلقة درس في جامع الشيخ مُحيي الدين، كنت أحضرها أحياناً فأجد فيها فائدة ولكن لا أجد شيئاً جديداً.
وكان من العلماء من انقطع للقرآن قراءة وإقراء وكان مجلسه مدرسة للقرآن، على رأسهم الشيخ محمد الحلواني شيخ القرّاء. ولقد سمعت في الشام وفي مصر وفي الحجاز وفي البلاد التي مشيت إليها قرّاء للقرآن لا يُحصَون، فلم أكَد أجد فيهم من هو أصحّ مخارج للحروف وأضبط أداء وأعرَفَ بالأحكام من الشيخ الحلواني هذا. وكان له أولاد كلهم نشأ قارئاً مجوّداً، حتى إن منهم طبيباً كانت له عيادة ناجحة وكان يقرأ القرآن ويُقرئه. وما أجمل أن يجمع العالِم بين الطب والقراءة أو بين المنصب وبين التجويد. وقد عرفتُ هنا الشيخ حسن الشاعر، شيخ القرّاء في الحجاز، الذي أخذ عنه واقتبس منه أكثر مَن يقرؤون، وقد بلغني (ولست أدري ما مدى صحّة الخبر) أن ولده، وزير الإعلام، قارئ مجوّد تلقّى القراءة عن أبيه فأحسن التلقّي، وهذا مما يفتخر به ويحمد الله عليه.