للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك صنعت المعاجم من القاموس المحيط إلى المعجم الوسيط الذي وضعه مجمع اللغة العربية في مصر، وبينهما المعاجم كلها، حتى المعجم الذي لم يؤلَّف مثله وهو «مقاييس اللغة» للإمام أحمدبن فارس.

وهذا من عيوب معاجمنا (أي قواميسنا)، فإنها لا تراعي التسلسل التاريخي لمعاني الكلمات. بل ينسى الأساتذة العصريّون ممن كتب في موضوع الثقافة إن الاسم يوضع قبل الفعل، فهو الأصل والفعل مشتَقّ منه ومتفرّع عنه. ولي تعليقات كثيرة على المعاجم، منها بحث في المعنى الأصلي من معاني الكلمة التي توردها، ولكنني -على عادتي في إضاعة ما أكتب وما أُعِدّ- لم أجمعها، وإنما تركتها في ذهني تأتي بها المناسبة ويذهب بها النسيان.

ومما لاحظته على المعاجم أنها أساءت في شيء كانت تستطيع الإحسان فيه؛ وهو أنها تسرد المعاني المتعددة للكلمة الواحدة، أو اختلاف وزنها الصرفي، تحشدها كلها حشداً. ولو أنها بيّنَت أن كل واحدة منها لغةُ قبيلة من قبائل العرب، فنسبَتها إليها وعَزَتها إلى مصدرها، لأفاد الناس من ذلك أكبر الفائدة. ذلك أن قبائل العرب لم تكن في منزلة واحدة من الفصاحة، وأن المعاني المختلفة أو الأوزان المتعددة بعضُها مثل الحديث الصحيح، وبعضها مثل الحديث الحسن، وبعضها مثل الحديث الضعيف. فلو أن علماء اللغة الذين دوّنوها وألّفوا معاجمها ميّزوا بينها وفعلوا فعل المحدّثين لكان من ذلك نفعٌ كبير.

فأصل مادّة الثقافة من «الثِّقاف»، وهو اسم لخشبة مثقوبة،

<<  <  ج: ص:  >  >>