أما المطبعة السلفية فالعهد بها قديم والحديث عنها طويل، ولعلّي أوفَّق إلى الكتابة عنها وعن صاحبها، عن سَبْقه في الدعوة إلى إحياء العربية التي أراد الاتحاديون (الدولْمَة) قتلها، عن سبقه إلى تعميم الدعوة الإسلامية في مصر، عن سعيه في تأليف جمعية الشبّان المسلمين التي ضمّت إليها الشبّان الأدباء من أهل التمسّك بالدين. ولعلّي أوفَّق إلى سرد كل ما له عندي، فما يتّسع له استطراد في مقالة. ولقد كتبت عن محب الدين في المجلة التي أسميتُها «البعث» قبل أن يؤلَّف حزب البعث ويسرق مني هذا الاسم بسنين، وكانت أول مجلة إسلامية في الشام، أصدرت منها خمسة أعداد من أكثر من خمسين سنة.
وكان مجلس السلفية -لمّا كانت في شارع الاستئناف في باب الخلق- يجمع جلّة من علماء مصر وأدبائها ومن علماء الأقطار الإسلامية الذين يفدون عليها، منهم أحمد تيمور باشا والسيد الخضر حسين والأستاذ أحمد إبراهيم بك والشيخ عبد الوهاب النجّار والأستاذ مصطفى صادق الرافعي، وإخواننا الذين كانوا يومئذ شباباً فصاروا شيوخ الأدب وأعلام العرب: محمود محمد شاكر وعبد السلام هارون وعبد المنعم خلاّف والدكتور الخضيري وأبو شادي الشاعر (الذي كانت السلفية في دار أبيه، المحامي الأشهر على أيامه) والشيخ أطفيش الفقيه الأباضي والأستاذ الغمراوي (أول من جمع جمعاً مُحكَماً بين علوم الدين وعلوم الكون) والأستاذ محمد علي الطاهر صاحب جريدة «الشورى» وكثير من أمثالهم.
وأمّا دار «الرسالة» فكان منزلُها أقربَ المنازل إلى قلبي وجوُّها أبردَ الأجواء على كبدي، قضيت مع الزيات سنة كاملة،