للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وردّ عليّ بهديّة أغلى منها. وكتبتُ إليه مرات أطالبه البرّ بوعده وزيارتي، فمضت أربعون سنة وما جاء مصر ولا رجعت أنا إلى الشام. أفتعجبون -بعد- إن سألت عنه وإن طلبت منكم أن تُبلِغوه أني لا أزال متعجّباً من عمله معجَباً به شاكراً له.

* * *

وهي قصة عجيبة، ولكن الشيء من معدنه لا يُستغرَب، والكرم سليقة في العرب، وهو أول مفاخرهم وأول ما يثني به شعراؤهم على أكابرهم. وهو فيهم حاجة قد تبلغ حدّ الضرورة، ذلك أنهم كانوا يعيشون غالباً في بادية ما فيها للغريب فندق ينزل فيه ولا مطعم يأكل منه، فإن لم يجد الغريب مَن يُقريه ومن يطعمه ويسقيه مات جوعاً، لذلك كان من مكارم أخلاقهم التي بُعث الرسول عليه الصلاة والسلام لإتمامها أن للضيف حقاً أقرّه الشرع، وجعل له أن يقاتل عليه إن مُنع منه لأنه يكون في موقف حياة أو موت. لكن هذا العرف لا يسري على مدينة فيها الفنادق وفيها المطاعم وفيها كل ما تحتاج إليه إن كان المال في يدك.

والخلق الكريم وسطٌ بين رذيلتين، بين السرف وبين التقتير، بين البخل وبين التبذير، هذا هو أدب الإسلام: {ولا تَجْعَلْ يدَكَ مغلولةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسوراً}.

ثم دخلنا في حديث المهمّة التي جئنا من أجلها. وودّعنا الوزير وأخذَنا وكيل الوزارة معه إلى مكتبه، ثم ودّعنا الوكيل وذهبنا مع رئيس المفتّشين، ثم أخذونا إلى إدارة التشريع في الوزارة، وجعلوا لنا أنا والأستاذ نهاد القاسم رحمه الله غرفة نصبوا

<<  <  ج: ص:  >  >>