للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أعرض عني أقرب أصدقائي، ممن أسميهم أصدقاء العمر وكانوا رفاقي في المدرسة وكانوا أصحابي في حياتي، نسوا ما كان بيني وبينهم، ولعلّ ذلك لأنهم بعيدون عن أمثال هذه المعارك فلا يعرفون مداخلها ومخارجها ولا أصول الكرّ والفرّ فيها. فإذا كانوا:

لا خَيلَ عندَكَ تُهدِيها ولا مالُ

فليُسْعدِ النطقُ إنْ لم تُسعدِ الحالُ؟

لقد رأيت الوفاء من جيراننا في الحيّ ورأيت الوفاء من تلاميذي وتلاميذ أبي، حين أقام لي الشيخ محمود العقاد (رحمة الله عليه وعلى كل من مات ممن ذكرت في هذه الحلقة) حفلة في مدرسته، المدرسة التجارية العلمية، جمعَت وجوه البلد. وفي هذه الحفلة ظهر خطيب جديد كان يومئذ شاباً في العشرين، فبهر الناس بخطبة ارتجلها وبهرني مع الناس، هذا الذي صار من بعد نابغة الخطباء، وهو عصام العطّار.

وكانت الانتخابات التكميلية، ولكنها زُوّرت وأُبدلت فيها الصناديق، فجاؤوا بغير التي ألقى فيها الناس أوراقهم وملؤوها قبل أن يأتوا بها. وقصّة هذا التزوير يعرفها الصغير والكبير فلا حاجة إلى إثباتها، بل لا حاجة إلى العودة إليها.

وأراد الله لي خيراً مما أردت لنفسي؛ علم الله أنني لا أصلح للحياة السياسية، وأن الحياة السياسية ليست لساناً ينطلق ولا عقلاً يفكّر، ولكن لها طرقاً ملتوية لا يستطيع مثلي أن يمشي فيها، فأنقذني الله منها. ورجعت إلى مصر، ومررت بفلسطين فكان تسليمي عليها وداعاً، لأنها سقطَت بأيدي اليهود بعد ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>