للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منا ناس درسوا العلوم الجديدة في إسطنبول (١) ولكن كانوا قلّة، فلما انتهت الحرب الأولى سنة ١٩١٨ انهار الجدار ودخلَت علينا دخولَ السيل إذا سقط من أمامه السدّ.

وأنا أصف ما رأيت وما سمعت، وكنت يومئذ في آخر الدراسة الابتدائية. وللوصف طريقتان: طريقة مَن يجمع الوثائق في الموضوع ويُحيط بما كُتب فيه، وهذه هي الطريقة الموضوعية (أوبجيكتيف)، أو أن يروي الكاتب ما رأى وما سمع، وهذه هي الطريقة الشخصية (سَبْجكتيف). الأولى شاملة وينقصها التفصيل والثانية فيها التفصيل وينقصها الشمول. كنا مع هذه الحضارة التي اقتحمَت علينا كالذي يكون في بيت مظلم ويخرج إلى الشارع في رأد الضحى حيث الشمس ساطعة، أو إن شئتم العكس، كالذي يكون في الشارع المضيء ويدخل إلى البيت المظلم، كلاهما يزيغ بصره فيلبث لحظات لا يرى ما حوله ولا يدري من أين يمشي.

وكانت النتيجة أن أكثرنا ما أحسّوا بها ولبثوا يعيشون بعد دخولها كما كانوا يعيشون من قبلها، والقلّة التي شعرَت بها خافت منها، فالمشايخ عبّروا عن خوفهم بمحاولة دفعها ونبذ كل ما جاءت به، بحجّة أن أصحابها كفار وأن الكفر شرّ ولا يجيء خير من شرّ. وبعض الشبّان أظهروا خوفهم منها بالانقياد لها وأخذ كل ما جاءت به، ودليلهم أن أصحابها أقوى وأكثر حضارة منا، والحضارة خير وكل ما يأتي من الخير خير.


(١) أصلها إسلامبول، أي مدينة الإسلام (مثل إسلام أباد). سمّاها بذلك محمد الفاتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>