إنسان بلا إذن مني لقلت إنه سارق جاء ليسرقني، ولوجدت حيثما نظرت من يصدّقني ويُبعِد هذا الداخل عني. فما لي الآن أمرّ بها فلا أستطيع أن أضع المفتاح في بابها فألجها؟ وإن قرعتُ بابها سألني مَن فيها: من أنت وماذا تريد منها؟ هذه ياناس هي الدنيا، كانت الدار قبلي لغيري وصارت بعدي لغيري، فأنا كراكب الطيارة التي رُقّمَت مقاعدها: المقعد الثاني من الصف الثاني مقعدي، ولكن يكون لي أنا ريثما تصل الطيارة إلى محطّها ويبلغ المسافرُ غايتَه، ثم يكون المقعد لسواي كما كان من قبلي لسواي. وسريرك في الفندق هو اليوم لك، وأمس وغداً لغيرك.
إننا مسافرون، فإذا انقضى السفر لم يبقَ لنا من وسائله شيء. والريالات التي هي اليوم ملك يمينك: كم من يد ملكَتها قبلك وكم من يد تملكها من بعدك؟ كلها عاريّة مسترَدّة. بل إن حياتك في هذه الدنيا عاريّة لا بد أن يستردّها صاحبُها. صدق المعرّي حين قال في اللزوميات (وإن كان في «اللزوميات» كثير في الأقوال لم يكن فيها صادقاً ولا باراً):
لوْ كانَ لي أو لغيري قيدُ أُنمُلةٍ ... مِنَ الوجودِ لكانَ الأمرُ مشتَرَكا
ألسنا مثل إمام الشعراء امرئ القيس الذي وقف على ديار الأحبّة يرى آثارها ويستقري أخبارها، فاستعجمت الديار فما تحدّثه بخبر، وضيّعت ما استُحفظت فما تكاد تحفظ من أثر؟ لقد