«قصص من الحياة» قصته (١) لمّا قدم دمشق أواخر أيامه. دمشق التي كان واليها وكان إليه وحده أمرها وله الحكم فيها، فتبدّلَت الحال وتغيّرت الدنيا، فلم يعرفه لمّا جاء أحد. وهكذا الناس، فيا خيبة من اطمأنّ إلى الدنيا وحدها!
كانت المصابيح في الطرق ضئيلة والطرق تكاد تكون مظلمة، فإذا جاء رمضان أنيرت الطرق ومشى فيها الناس الليل كله، لذلك قلت من أيام للصديق الأستاذ ماجد شبل في مقابلة له معي في الرائي لمّا سألني عن شعوري عندما يجيء رمضان، قلت له: إن قدوم رمضان مقترن في نفسي بالنور: نور في الحارات بعد الظلام، ونور في المساجد وفي البيوت حيث يسهر في الليل النّيام، ونور في القلوب هو ضياء الإسلام.
* * *
ومن المشاهد التي ذهبَت مع أمس الدابر، ألغاها انتباه الناس وازدياد معرفتهم بالإسلام، وقرّر إلغاءَها الشيشكليُّ لمّا كان هو الحاكم؛ وهي ما كان يجري ليلة السابع والعشرين من رمضان في الجامع الأموي: يسهر الشاميون فيه الليل كله، فإذا كان السحر جاء «المولَويّة» يدورون فيه أو يرقصون (كما كان يقول علماؤنا) رقصاً يعجز عن مثله الراقصون المحترفون. وكنا ونحن صغار نراه شيئاً عظيماً، نحرص عليه ونتسابق إليه.
والمولوية طريقة صوفية منسوبة إلى جلال الدين الرومي، وهو شاعر كبير في اللغة الفارسية يعدّونه من كبار الشعراء الصوفية،
(١) أي قصة ناظم باشا، وعنوانها «في شارع ناظم باشا» (مجاهد) ..