ولكن طريقته لا أصل لها في الشرع ولا فرع. وهم يتخذون إزاراً ضيقاً من أعلاه من عند الخصر واسعاً من تحت، ثم يدورون فيه، لا دورة ولا دورتين ولا تستمرّ دوراتهم دقيقة ولا دقيقتين، بل نصف ساعة أو ساعة لا يقفون ولا يستريحون، والإزار ينفتح حتى يصير مثل المخروط الناقص في الهندسة، وعلى رؤوسهم قلانس طويلة مثل علب اللّبَن التي كانت على أيامنا بشكلها ولونها. ولقد كتبت أنكر صنيعهم هذا (كما أُنكِر أمثاله من البدع التي استُحدثت في الإسلام) في «رسائل الإصلاح» التي أصدرتُها وطبعتها سنة ١٣٤٧هـ، أي من ستّين سنة إلاّ سنة واحدة.
وكنا ننزل من الصالحية إلى بيت خالتي الكبرى، وهذا البيت يستحقّ مني وقفة عليه قصيرة فهو بيت العجائب؛ تقيم فيه خالتي، وهي بنت الشيخ أبي الفتح الخطيب شقيقة محب الدين، وهي التي ربّته بعد أمه، وأولادها: الشيخ شريف، مدير المدرسة الأمينية التي طالما كان لها في نفسي ذكريات، والتي بدأت التعليم فيها سنة ١٣٤٥هـ وعلّمت فيها سنين وسنين ولي فيها أخبار طوال سبق ذكر بعضها. وأخوه الشيخ سهيل، وهو رجل عبقري في الفنّ متفرد في الشخصية، كان ضابطاً صغيراً أيام الحرب الأولى، وكان -مثل أكثر آل الخطيب في الشام- أزرق العينين أصفر الشعر، فجعلوه مرافقاً للقائد الألماني الذي قاد الجيش في حرب التّرعة ورجع منها خائباً. فمن كان يرى هذا الضابط الصغير لا يظنّه إلاّ ألمانياً.
ثم لمّا قامت نهضة العلماء لزم ابنَ عمّه الشيخ هاشم الخطيب الذي كان أحد الشيخين لهذه النهضة، أولهما وأكبرهما